حكاية ....قصيدة للشاعر أحمد الطود



الشاعر أحمد الطود

حـــكـــايـــة
..................
--------------



كان يُدْعى سندبادْ

أسمراً كانَ .. و عيناهُ اسْودَادْ

و يداهُ

لصِرَاعِ الموج دوماً في اشتدادْ

كانَ مِن أطيبِ خلقِ اللهِ ..

مِنْ أتْـــــقَى العبادْ

كــلُّ ما يملكُ قلبٌ

نابضٌ بالحبِّ للناسِ جمـيعاً

وبتَوْقٍ للضياعْ

في بلاد اللهِ ..

لا يملكُ شيئاً

مثل كلِّ الفقراءِ الكُثْرِ .. عفواً

فَـلَـهُ مركبُ بحْرٍ خشبيٌّ وشراعْ

و رفاقٌ عشْرةٌ .. عشرون هُمْ ؟

لا أتذكّرْ؛

و اسمهُ كان على كُلِّ لسانْ

و حكاياه لذاذاتُ السَّمرْ

حين يبدُو ضاحكاً وجهُ القمَرْ

أوْ إذا موقدةُ النَّار ِ دعتْ ليْلَ المَطَرْ

اِسمهُ كان على كلِّ لسانْ

في فَم الصِّبيان و النِّسوانِ ..

حتَّى شهرزادْ

سرَدَتْ عنه حكايَا

في لياليها الحسانْ.

** == ** == **

كدتُ أنْسى

و لهُ كانتْ حبيبهْ

مثل عصفورةِ وادْ

مقلتاها عسليَّهْ

وجنتاها قمريَّهْ

و اسمها كان سعادْ

طفلةً كانتْ .. وكانتْ

تحفظ ُ الشِّعرَ كثيراً

و تغنِّـيه كثيراً

و لقد كانت تحبُّ السندبادْ

و تحبُّ الحبَّ ما بينهما ..

حتى إذا رفْقَتُها جئْنَ ..

تباهتْ في اعتدادْ

أنَّها تحيا على أجمل أسطورةِ حبٍّ

واقعيَّهْ

مع هذا السندبادْ.

و لأنَّ الحبَّ عطرٌ وضياءٌ وغناءْ

و لأنَّ الحبَّ مفتاحٌ إلى كلِّ سماءْ

عاشتِ الحلوةُ بالحبِّ غنيَّـهْ

لمْ تكنْ تطلبُ منْ فارسِها

نجمةَ الليلِ و لا قُرصَ القمرْ

أو ثياباً و عطورًا بارسيَّهْ

فلقد كانتْ رضيَّهْ

بالَّذي قد قسَّم الله لها ..

بالسِّندبادْ ،

قنعتْ منهُ بأشياءَ صغيرهْ

وعناقٍ دافئ القُـبلةِ فيَّاضِ المحبَّهْ

عندما يأتي إليْها بعدَ غيْبهْ

متعباً يرتاحُ في بسمتِها مِنْ

أَلَمِ البُعْدِ و وَعثَاء السَّفَرْ

هكذا يسعَد في العمْر الأحبَّهْ.

** == ** == **

غير أنَّ السندبادْ

ذاتَ يـــــــومٍ

بينما الليلُ على كِتْفِ النهارْ

شردتْ أفكارُه عبرَ المدارْ

و اقتنتْ منهُ سحابَهْ

لَبَدَتْ في مقلتَيْهِ

أثقلتهُ بالكآبهْ

أخبرتْهُ أنَّهُ ملَّ الرُّكودْ

و حياةَ الفقر ِ في دنيا الرتَابهْ

كان قد أوحَشَهُ موجُ البحارْ

و ركوبُ الخوفِ ..

في ليْـلِ الفيافي والقفارْ

كان قد رفَّ بعينيْهِ حنينٌ للضياعْ

و انتزاعِ الكنزِ منْ بئرِ الأفاعْ

ـ هكذا يا صحْبُ ..

فليَعْلُ الشراعْ

و لنغامرْ بين موجٍ ورعودْ

ليسَ مِنْ معنى لأنْ نخشى الضياعْ

إنَّ في هذا الوُجُودْ

ألفَ شيْءٍ رائعٍ ..

و انتظريني يــــا سُعادْ

فأنا سوفَ أعودْ

ذاتَ يومٍ ..

و معي كنزُ سليمانَ ..

و آلافُ السَّبايا و العبيدْ

و سآتيكِ بخيراتٍ كثيرهْ

ملءَ كفِّي

و سأهدِيكِ مِنَ اعْماقِ الجزيرهْ

عرشَ بلقيس ..

و منْ أرضِ الهُنُودْ

كلَّ ما تشتهَيْنَ منْ حُـلْـو ٍ فريدْ

فارقُبي اليومَ الَّذي فيه أعودْ

** == ** == **

و مضى يشردُ في دنْيا سحيقَهْ

فيلسوفـاً أفلتَتْ منْهُ الحقيقَهْ

و مضى مِنْ بعد هِ ..

شهرٌ .. وشهرانِ .. وعام .. وسنُونْ

بَقيتْ فيها سعادْ

بيْنَ شكٍّ و يقينْ :

ذاتَ يومٍ لنْ يعودْ

ذاتَ يوْمٍ سيعودْ .

وبكتْ ..

حتَّى انتهى الدمعُ و نادتْها الظنونْ :

ما الَّذي يُجديكِ أن ترتقبي ساعي البريدْ

كــلَّ يــومٍ ..

فهْوَ حتماً لن يعودْ ..

هُو حتماً لن يعودْ .

** == ** == **

هُوَ ..

قد تاهَ به المركبُ مِن ماءٍ لماءْ

حصَد اللؤْلؤَ مِن قاعِ البحارْ

صافح الشمسَ بخطِّ الاستواءْ

سارَ في الأرْضِ ..

رماهُ جبلُ الثَّلجِ إلى غابَةِ نارْ

و لكمْ ضاعَ طويلاً

في مفازاتِ الصَّحارْ

ثمَّ لمَّا جمعَ الثرْوَة َ أطناناً ..

تولاَّهُ الحنِينْ

لسُعادْ

بعْد أنْ مرَّتْ سنونْ

أربعٌ .. خمسٌ .. ثلاثٌ ؟

فأنَا لا أتذكَّرْ

كلُّ ما أذكرُ أنَّ السندبادْ

أنفقَ الأعوامَ خلفَ الكنزِ ..

حتَّى حينَ عادْ

بهِ .. لمْ يلقَ الَّتي منْ أجلِها

كابدَ الأهوالَ في رحْلاتِهِ

من بلادٍ

لبلادٍ

لبلادْ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة قارئة الفنجان بين الشعر والنغم للشاعر نزار قباني (1923-1998م)

كاتبات وكتاب من القصر الكبير _ سعاد الطود ، شاعرة متعددة المواهب

سرديات : ترنيمة الماضي