لست ألهو بالكلمات
الشاوي بشرائيل
الكلمة هي نتاج احساس يملأ صدرك، غريق يعاني
اذا لم يطفو على السطح و تكتب له النجاة. من ياخد مني الكلمة هدية؟ من يسايرها،
يحبها و يعاتبها؟ من يقرأها و لا يحس بها؟ من تخترقه الكلمة كشهاب قادم من الاعالي
كي توصل له خبرا، نبأً سعيدا اذا وصفت واقعا سعيدا و حزينا اذا تحدثت عن حب، فراق،
انتظار و وداع؟ من اعظم من الكلمة يجول بك في بحور الشعر و نثره؟ من أقدس من كلمة
اذا عانقت حب الوطن و زلزلت اعدائه؟ من أعمق من كلمة تلملم جراح الوحيد الممزق،
تهدهد الرضيع و تعلن له الحب المستديم كحرب دائمة، ضارية لكن جميلة؟ من اعنف من
كلمة اذا أردت ان تقسو على احد؟ و من أطيب من بلسمها حين تبتغي بها الرحمة؟ الكلمة
ماهي الا ذبذبات تجوب الكون، تحزن او تفرح . تخترق وجدانك قبل أذنيك. تصلك احيانا
و كأنها حبيب يلامس مشاعرك و احيانا كأنها قنبلة تفجر غضبك. قبل ان أقول كلمة، قررت ان اعانقها، الامسها،
أعنفها، أقربها ثم ابعدها. اسايرها، أحلق بها في سماوات الإحساس و الإبداع . لا
اتركها وحيدة ، ارافقها كي لا تبقى خجولة. أجوب بها ازقة الأعماق . احفظها من شر
نفسها. أجملها،
اقلمها كما تقلم الاشجار، اصقلها كحجرة ضعيفة قادرة على تشييد بناء قوي. كفيلة ان
تكسر الحدود و تعبرها اذا التزم الامر. احب الكلمة كحبي للاحجار الكريمة، ليس لانها باهضة الثمن
و لكن لندرتها. وعورة طريق البحث عنها و طول الانتظار يعطيانها قيمة لا تقدر. فحين
تمتلك الكلمة فإنك تمتلك الوسيلة، تحيط بعالم المتناقضات حيث تتعاكس المعاني و
ينتصر الإبداع . الكلمة هي من
يحبني، من يجبرني على الوصول بها لقمة السعادة. من يعانقني و يخطو معي سويا في درب
التلاقي و كذا الابتعاد...الكلمة هي من تصنع صلاتي و ابتهالي للخالق، من تقربني
منه و تزركش ابتهاجي و أحزاني . بها أناجي ربي و اتضرع اليه. كلمتي هي ايضا من تختارني، تنتظر معي ، تصاحبني
كثيرا قبل ان تقرر ان تفر و تعانق كائنا اخر. كوصلة حنان تنصهر و تمزج الكائنات في بوثقة
"رباط الكلمة". بها يعطى وعد الشرف و بها يُخان. بها يرفع شان الانسان
او يهان . أهديها لزهرة، لأي كائن كان، ادعوا بها لعابر سبيل لا اعرفه و لا يعرفني
لكن تجمعنا كلمة "الانسانية". بها انادي للمحبة. اخاف ان تتركني كلماتي فيصير صوتي مبحوحا،
غير قادر على رسم الابتهاج في وجه الاطفال ، الشيوخ و المرضى و الغرباء الأقوياء
منهم و الضعفاء. اخاف ان تخونني، ان تبتعد عني و تترك إحساسي وحيدا غير نافع، صامت
و كئيب. اخاف ان انادي
الكلمات ، ابحث عنها فلا اجدها، تختفي، تتبخر ، تنسحق فلا اجد للمحبة وسيلة. اخاف ان تهجرني الكلمات و تتركني للنظرات و
كأني ارى روحي في مرآة ، اسألها و انا صامتة فلا تجيب. كيف لي ان أعيش بدون الكلمة؟ هي من يحفظ لي
ودي مع العالم و بها احارب كل قبيح. كيف لها ان تضيع و تضيع معها أنفاسي و يصير الكون ككتاب
بدون كلمات، فارغ، بارد لا يجدي و لا ينفع. لست ألهو بالكلمات ... بل أداعبها، الاعبها،
اصونها و أقدس اصولها. فهي التي تجلب لنا الشر او الخير. محبتها تسير بك الى السعادة ، انتقائها يكفي
كي يخلق لك عالما جميلا مليئا بالعطاء. اذا احببت فقل كلمة، اذا عانيت قل كلمة، اذا صادقت قل
كلمة و اذا أصلحت قل كلمة. لانها وحدها كفيلة ان تجبر القلوب المنكسرة و تبعث
البهجة في نفوس اليائسين . اذا اخترت كلمة و صادقتها فرافق احلاها و ابهاها، لان
الكلمات كأي كائن فيها الصالح و الطالح.إن صادقت أجملها صرت جميلا و ان صادقت
أقبحها صرت دميما . هي من يسعد و من يجرح ، من ينزل بك الى الأسفل او يرتقي بك الى
الأعلى..... انتق "الكلمة"... و انت تختار ، يكفي ان تتذكر ان كلمة
"الحق" هي العليا.
تعليقات
إرسال تعليق