رحلة ابن طامة البصاص او المعجب في اخبار جائحة المغرب
الميلودي الواريدي:
حكى "ابن طامة " البصاص ، وقد كان من أقدم ساكني المدينة ، وأعرفهم بطباع أهلها الحميدة وطبائعهم المشينة : أنه عايش زمن جائحة " الفيروس " ،وعاين فتكه بالأبدان والنفوس. ثم تنحنح وسعل ، وحوقل وبسمل قبل أن يبدأ حكايته الأولى وقد أسرفي قراره تضمينها موعظته المثلى ... فقال:
وبينما الناس قد ألفوا المجون ، وبلغوا من التفنن فيه ما لم يبلغه الأولون . وقد كان منهم طائفتان متناحرتان : طائفة " المرفحين " وهم أهل عزة وترف ، وطائفة " الحازقين " وهم أهل ذلة وشظف . فأما الأولى فقد حصنت نفسها بعرمرم من المريدين ، وخميس من الذيول والتابعين ، من الذين إذا قيل لهم تعالوا إلى موائدنا العامرة قالوا (آمين )،ومن الملتحين المتاجرين في الدين ، وثلة من المسؤولين المرتشين ... حتى بلغ شأنها أن اتخذت لنفسها "براريح" من أهل صناعة الفن والغناء ، يتباهون بالمؤخرات والأرداف ،غناؤهم ثغاء وكلماتهم هباء ،لا يميزهم عن الأبقار إلا اقتياتها على البرسيم والأعلاف .
وأما طائفة " الحازقين " فحصنها الحصين ملايين الكادحين ، ورهوط الفتية العاطلين ، وصغار الموظفين الذين يُمْسون على دين ويصبحون على دين ،وعامة الفقراء والمعدمين..
وسكنة الشوارع من السعيان والحمقى والمنبوذين... حتى أنهم يُدخلون في زمرتهم كل من أعلن عن إيمان أنها :" مهمومة ... هاد الدنيا .." وأعادها ثلاثا كما نطقها كبير غيوانهم بإطالة مد الواو في الاشتقاق الدال على دوام الصفة والتصاق الحال هكذا "مهموووومة "...
جاءهم " هازم اللذات ومفرق الجماعات " على هيئة جُسَيْمٌ يلبس " طاقية إخفاء " قراره خِبْءٌ مكين، وظاهره شر عميم .يسري حثيث الخطو بين الناس ،لا يميز بين عامة ولا خاصة من السُّياس ... فسارت بذكره الركبان ،ولهج باسمه الشيب والمحدثون من الولدان . وكان أنِ أتمر القوم في ليلة ليلاء ، ليقرروا أن الطارق جائحة بلاء ،لا عاصم منها إلا الحجر والاختلاء ... فما كان من الرعية إلا السمع الطاعة والتزام البيوت والصبر والقناعة.
عبَّ المحدثُ ما استقر من شاي في كأسه .واستعاذ بالله من الاستنامة إلى الشيطان وتسويله.وقال :
واعلموا رحمكم الله ؛ أن " الحَجْر" إن لم يكن من " الحَجَر" فهو الحَجْرُ والحِجْرُ والحُجْرُ والمَحْجِرُ، وكل ذلك: الحرامُ والحرمة ، والكسر أَفصح . وإن زدنا عليه قول الأسلاف (لقد تَحَجَّرْتَ واسعاً؛ أَي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك، وقد حَجَرَتهُ وحَجَّرَتهُ)فهو في مقام قولنا أفيد وأملح .وأن كل حرمة منع .وكل ضيق روْع . ومردُّ أمرهما إلى استقصاء الأمثل والأصلح . فقد كان للناس في قطرنا السعيد من عجيب الأخبار والأسانيد ؛ ما لم تذكره أسفار التاريخ ولا كنانيش الأقاييد .
وأول بدعهم في ذلك ، أنهم قدروا أيام الحجر إلى " منازل " ومسالك . فعمدوا إلى منصف شهر مارس الهالك ، فأسموه " منزلة القوت " . وإن شئتم؛ أبديت لكم من أمره خُبرا ، وسردت لكم من طرائفه أمرا ، قبل أن يأخذني العمر فأفنى وأموت.
خبر منزلة " القوت" :
وقدروا هذه المنزلة مما بعد منتصف يوم السبت إلى إصباح الإثنين . وفي مستهلها صار النفير بأن: ( اِلزموا دوركم والمنازل ، ودعوا ما استطعتم خلوةَ الحلائل ، وتجنبوا بعد يومكم هذا كل ما يعتبر تجمهرا مثيرا للقلائل .ولا تزاوروا ، ولا يصل بعضكم بعضا ،واصبروا ؛ فإن الصبر في مثل هذه النوازل أسمى الخلُق وأطيب الشمائل .
واعلموا أنها مَرْضَة ٌ ناهكة ، وليس لدرئها - في علمنا - سبيل سالكة ،إلا أن تتزودوا بخير الزاد ، وتقنعوا لأنفسكم بما تيسر واستطعتم من الخزين والزواد ...)
فما إن انتهى المقال حتى تعطلت الأحاسيس . وجرت بين الناس من الناس الأباليس.هاجت الخلائق كأنها الإبل استوأرت، وعلى نِفارٍ واحد ترابعت. وجهة العليين منهم أسواق موسومة عندهم ب" الممتازة " . فلا يردها إلا ذو كسب عظيم أو صاحب سعة ومفازة . حتى إذا بلغوها ، ودانت لهم معارضها،وأصبحوا على قيد ذراع منها ، انتشروا بين رفوفها يغترفون من فيئها ولا يستثنون .يجعجعون في وجه بعضهم البعض ، وعن أذية المنافسين لا يرعوون .
حكى "ابن طامة " البصاص ، وقد كان من أقدم ساكني المدينة ، وأعرفهم بطباع أهلها الحميدة وطبائعهم المشينة : أنه عايش زمن جائحة " الفيروس " ،وعاين فتكه بالأبدان والنفوس. ثم تنحنح وسعل ، وحوقل وبسمل قبل أن يبدأ حكايته الأولى وقد أسرفي قراره تضمينها موعظته المثلى ... فقال:
وبينما الناس قد ألفوا المجون ، وبلغوا من التفنن فيه ما لم يبلغه الأولون . وقد كان منهم طائفتان متناحرتان : طائفة " المرفحين " وهم أهل عزة وترف ، وطائفة " الحازقين " وهم أهل ذلة وشظف . فأما الأولى فقد حصنت نفسها بعرمرم من المريدين ، وخميس من الذيول والتابعين ، من الذين إذا قيل لهم تعالوا إلى موائدنا العامرة قالوا (آمين )،ومن الملتحين المتاجرين في الدين ، وثلة من المسؤولين المرتشين ... حتى بلغ شأنها أن اتخذت لنفسها "براريح" من أهل صناعة الفن والغناء ، يتباهون بالمؤخرات والأرداف ،غناؤهم ثغاء وكلماتهم هباء ،لا يميزهم عن الأبقار إلا اقتياتها على البرسيم والأعلاف .
وأما طائفة " الحازقين " فحصنها الحصين ملايين الكادحين ، ورهوط الفتية العاطلين ، وصغار الموظفين الذين يُمْسون على دين ويصبحون على دين ،وعامة الفقراء والمعدمين..
وسكنة الشوارع من السعيان والحمقى والمنبوذين... حتى أنهم يُدخلون في زمرتهم كل من أعلن عن إيمان أنها :" مهمومة ... هاد الدنيا .." وأعادها ثلاثا كما نطقها كبير غيوانهم بإطالة مد الواو في الاشتقاق الدال على دوام الصفة والتصاق الحال هكذا "مهموووومة "...
جاءهم " هازم اللذات ومفرق الجماعات " على هيئة جُسَيْمٌ يلبس " طاقية إخفاء " قراره خِبْءٌ مكين، وظاهره شر عميم .يسري حثيث الخطو بين الناس ،لا يميز بين عامة ولا خاصة من السُّياس ... فسارت بذكره الركبان ،ولهج باسمه الشيب والمحدثون من الولدان . وكان أنِ أتمر القوم في ليلة ليلاء ، ليقرروا أن الطارق جائحة بلاء ،لا عاصم منها إلا الحجر والاختلاء ... فما كان من الرعية إلا السمع الطاعة والتزام البيوت والصبر والقناعة.
عبَّ المحدثُ ما استقر من شاي في كأسه .واستعاذ بالله من الاستنامة إلى الشيطان وتسويله.وقال :
واعلموا رحمكم الله ؛ أن " الحَجْر" إن لم يكن من " الحَجَر" فهو الحَجْرُ والحِجْرُ والحُجْرُ والمَحْجِرُ، وكل ذلك: الحرامُ والحرمة ، والكسر أَفصح . وإن زدنا عليه قول الأسلاف (لقد تَحَجَّرْتَ واسعاً؛ أَي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك، وقد حَجَرَتهُ وحَجَّرَتهُ)فهو في مقام قولنا أفيد وأملح .وأن كل حرمة منع .وكل ضيق روْع . ومردُّ أمرهما إلى استقصاء الأمثل والأصلح . فقد كان للناس في قطرنا السعيد من عجيب الأخبار والأسانيد ؛ ما لم تذكره أسفار التاريخ ولا كنانيش الأقاييد .
وأول بدعهم في ذلك ، أنهم قدروا أيام الحجر إلى " منازل " ومسالك . فعمدوا إلى منصف شهر مارس الهالك ، فأسموه " منزلة القوت " . وإن شئتم؛ أبديت لكم من أمره خُبرا ، وسردت لكم من طرائفه أمرا ، قبل أن يأخذني العمر فأفنى وأموت.
خبر منزلة " القوت" :
وقدروا هذه المنزلة مما بعد منتصف يوم السبت إلى إصباح الإثنين . وفي مستهلها صار النفير بأن: ( اِلزموا دوركم والمنازل ، ودعوا ما استطعتم خلوةَ الحلائل ، وتجنبوا بعد يومكم هذا كل ما يعتبر تجمهرا مثيرا للقلائل .ولا تزاوروا ، ولا يصل بعضكم بعضا ،واصبروا ؛ فإن الصبر في مثل هذه النوازل أسمى الخلُق وأطيب الشمائل .
واعلموا أنها مَرْضَة ٌ ناهكة ، وليس لدرئها - في علمنا - سبيل سالكة ،إلا أن تتزودوا بخير الزاد ، وتقنعوا لأنفسكم بما تيسر واستطعتم من الخزين والزواد ...)
فما إن انتهى المقال حتى تعطلت الأحاسيس . وجرت بين الناس من الناس الأباليس.هاجت الخلائق كأنها الإبل استوأرت، وعلى نِفارٍ واحد ترابعت. وجهة العليين منهم أسواق موسومة عندهم ب" الممتازة " . فلا يردها إلا ذو كسب عظيم أو صاحب سعة ومفازة . حتى إذا بلغوها ، ودانت لهم معارضها،وأصبحوا على قيد ذراع منها ، انتشروا بين رفوفها يغترفون من فيئها ولا يستثنون .يجعجعون في وجه بعضهم البعض ، وعن أذية المنافسين لا يرعوون .
تعليقات
إرسال تعليق