سلسلة كاتبات وكتاب القصر الكبير: عمر الحيرش
من اعداد ذة : أمينة بنونة ذ : جمال عتو
" لم أضع نفسي يوما في دائرة المثقف و لم أحاول مجاراة ركب العلم و اكتفيت بالتجربة عن العلم المختوم في الكتب ، بل أجدني في دائرة العاهات الثقافية ، و صعاليك العصر الحديث " ( عمر الحيرش ) .
بتواضع جم يقدم نفسه عمر الحيرش ، الكاتب النشيط في موقع التواصل الاجتماعي وفي مواقع الكترونية ، اختار لنفسه انحيازا لنبض الشارع المغربي بعاهاته وانتظاراته ولحظاته العصية على التجاوز والتجاهل ، لم يكن عمر ليختار هذا النمط من الكتابة لو لم يتأثر كثيرا بكتاب مروا على هذه الأرض ورهنوا أنفسهم بالتعبير عن المجتمع من أبوابه الضيقة .
كانت بداية الطفل بمدرسة التوحيد حينها بدا متفوقا في اللغة العربية و الفرنسية بشهادة الأساتذة حتى كان هناك لقب أطلق عليه في صغره من أبناء الحي و من هم أكبر منه سنا من باب المجاملة حينها بحي الباريو " عميد اللغة العربية " حين بلغ ولعه المحادثة بها في الشارع و عند محلات البقالة و بين الرفاق ...
درس الإعدادي في المنصور الذهبي ، حينها وفرت مكتبة أخيه المادة الأولية من خلال الروايات و قصص الأبرشي حيث كان يلتهمها حتى أنهاها ، بعدها درس بالثانوية المحمدية ، المرحلة التي تشكلت فيها لديه المبادئ الأولية و القيم التي نحيا بها اليوم ، و إن كانت تتميز بالشغب و التمرد لكن كان يحظى باحترام خاص فيما يتعلق بجانب تداول و تبادل الأفكار و المقترحات ، و مما يذكره هنا أنه تم اختياره سنة 2003 من قبل مدير المؤسسة في هيئة سميت بالمجلس الداخلي يمثل تلاميذ المؤسسة و يظن أنه كان بتوصية من الوزارة لإحتواء المظاهرات التي أخذت شكلا عنيفا و هددت الموسم الدراسي ، حيث لم يكن اختياره اعتباطيا بل محاولة للملمة الشظايا المشتعلة و المؤثرة هناك ، إلى جانب ممثلين عن بعض اللجان هناك و منها المنخرطين في الكشفية .
حصل على الباكلوريا سنة 2003 شعبة آداب عصرية " في ذيل الناجحين " ، حينها انتقل لكلية أصول الدين بتطوان ، بعد سنة أولى متوترة جدا من الناحية النفسية و الإجتماعية لأنه كان يتمنى الإلتحاق بالسلك العسكري و لم يجد دعما و مساندة حينها من الأسرة ، لم يتم السنة الثانية و توقف هناك ، و بدأ طرح أسئلة وعميقة تجاوزت سنه حينها منها من قبيل : " هل أنا منتج أم فقط مستهلك ؟ " .
السؤال المحوري الذي أثر على باقي مسار حياتيه الشخصية ، و خرج للبحث عن استقلال مادي و شخصي مع كل الإستهجان الذي رافق ذلك من العائلة و حتى الأصدقاء المقربين حين يجدونه يشتغل في أوراش البناء ، الإنعاش الوطني ، المخابز ، الوضع الذي كان لا يليق في نظر معارفه ومقربيه ، لكن كما يقول عمر " كانت عندي مطحنة العظام الطرية و طريقة سهلة لمخالطة المهمشين و الأعطاب المجتمعية داك الكيس الغير مصنف " .
فالسخرية جعلها نمطا فكريا و في نظره بها يمكن أن يدفع الانسان عن نفسه ذل الإستسلام .
يشتغل عمر الحيرش بالقطاع الخاص عامل إنتاج ، و ينتقل بين الشركات في مدينة طنجة و التي بالنسبة له سوق كبير .
فاتحنا عمر الحيرش في مواضيع كثيرة وهو الكاتب المهووس بالكتابة والقراءة وعيش اللحظة والتعبير عن مفردات المجتمع والأنا والآخر ، فوجدناه يرى أن " أسهل طريقة لتغيير الواقع هي السخرية منه أي نعم قد تستطيع إيصال رسالة للشريحة المستهدفة عن طريق صور كاريكاتورية مكتوبة أكثر منها مصورة محببة و نفاذة ، و في نفس لافتة للإنتباه ، عكس الطريقة التقليدية التي تعتمد الجدية في تناول بعض الظواهر أو الأحداث و الشخوص ، لكنها في الغالب لا تصل إلى شريحة عريضة من المهمشين و مواطن الشارع الذي مل من مقالات الجرائد و يتجه إلى كل ما هو هازئ و أرى أن الطريقة الساخرة و الپاروديا و الساركازم قادرة على رفع منسوب الوعي أكثر من الكتابة النمطية المطاية الغالب عليها النيكل و التلميع البراق "
وعن الوضع الثقافي محليا يقول : " لست بالحجم الذي يتيح لي أن أتحدث عن مجال قد أكون متطفلا عليه ، لكن أرى أنه محليا بقي المثقف في شرنقة معزول تماما عن قضايا الشارع ، و أن المثقف يجب أن يختلط بطوب الأرض من مجالس المهمشين و مقاهي الرصيف و الأسواق الأسبوعية ، حيث الإنتاج الثقافي من قصة و رواية و حتى قصيدة تجد هناك مادة خام لإعادة التصنيع و ألا يقتصر على الصالونات الأدبية و الثقافية و ندوات الحجز المسبق"
وعن كيف ومتى يكتب قال " معظم النصوص التي أكتبها و أنا غاضب أو في مزاج سيء تلقى استحسانا و لعل ذلك راجع لفورة الأفكار و الصور التي تتدفق مع مضخة الدم نحو الدماغ ، و هذا من محاسن الكتابة تجد فيها عزاءا و مواساة و في أحيان كثيرة يكون القلم ترياق من بعض حالات التسمم المجتمعية .
وعن أسلوبه السهل الممتنع في الكتابة يقول : " لم نتخرج من مدرسة الأدب و لم يتسنى لنا الإطلاع على كثير من الإصدارات الأدبية ، نظرا لفقر اليد من جهة و مستلزمات الحياة التي _ إن توفرت_ تجعلك سيد أفكارك و آرائك ، و لهذا نتجه دائما لتصوير المواقف بشكل سهل و مبسط يميل للعامية أحيانا ، و التي بالمناسبة بحر من المعاني و الصور و تزخر بكثير من الأمثال و الموروث الشعبي الساخر ، أرى في كثير من النصوص أن الصنعة و التلكف و يقتل المعنى أو يجعله صعب التذوق كالتوابل الكثيرة تفقد أي _ طبخة _ أدبية طعمها " .
وعن مشروعه الأدبي في قادم الأيام يقول : " كان هناك مجموعة من المقترحات من الإخوان بأن يتم نشر بعض القصص في ملحق ساخر لبعض الجرائد و تم نشر بعضها في ملحق القراء لكني لم أستمر للأسباب التي ذكرتها أن الأدب لا أرى فيه مورد رزق ، لكني أخطط لوضع سيرة ذاتية بطابع تراجيدي كوميدي أو تراجيوكوميك ، تحكي قصة شاب فاشل في كل شيء يلازمه سوء الطالع " .
وعن الشخصيات والكتابات التي أثره في مسار الكتابة لديه يقول :
" من بين الرروايات التي أثرت في تبقى الخبز الحافي لمحمد شكري كنت قد اطلعت عليها باكرا جدا و أنا أدرس في التاسعة إعدادي ، إلى جانب رواية الريح الشتوية لمبارك ربيع و التي تتحدث بلسان العامية في نص الحوارات ، إلى جانب روائع نجيب محفوظ ..."
وعن اهتمامته بالكتابة عن الأجناس الأدبية يقول : "في الوقت الحالي نجد القصة القصيرة ملاذا آمنا لترويج ما نؤمن به في شكل خالي من أي إرباك ، تعلم أن الرواية تحتاج تفرغا و سعة صدر إلى جانب ما يمكن أن تستهلكه من وقت و مال في أحيان كثيرة ، ذلك رهين بالظرفية " .
وعن الكتابة في زمن كورونا يقول : " في هذه الظرفية لا نجد إلا الشكوى في وجود فائض من الوقت المهدور هباءا ، الحجر الصحي أو الإقامة الجبرية فرضت واقع العزلة .
هذا الواقع يفتح الشهية للإطلاع و المراجعة و البحث عن سبيل كسر هذا القيد من خلال الكتابة و التمرد على حالة الطوارئ الصحية " .
ذلك هو الكاتب عمر الحيرش الذي يشدك بأسلوبه السلس قبل أن ـجد نفسك منساقا مع معنى عميق لا يعبر الا عن عمق الأرض ارتضى عمر أن يحيا فوقها بكثير من الدهشة والألم .
تعليقات
إرسال تعليق