سرديات : ترنيمة الماضي
بقلم : الزهرة الحميمدي:
ﻫﺮﻋﺖ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ وأﻧﺎ ﺃﺑﻜﻲ ...
ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ، ﺗﻬﻴﺊ ﺍﻟﻘﻬﻮﺓ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﻋﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ لزيارتنا كل شهر ، وهي محملة بشتى أنواع الفواكه التي كانت تغرسهابيديها في ضيعتها الصغيرة ، وكان أبي منشغلا
ﺑﻌﻮﺩﻩ ﻳﻠﻤﻌﻪ، ﻭﻳﺼﻠﺢ بعض ﺧﻴﻮﻃﻪ قائلا بصوت يكاد لا يسمع :
- إنها حتما تلك القطة التي تعشق الموسيقى مثل أبيها ...
بالتأكيد هي من تعبث بأوتار هذا العود المسكين !
ثم رفع صوته متعمدا قصدي، حين سمعني أدخل إلى البيت، أردد وأنا أبكي :
- سوف أشكوها لأبي ، تلك الشريرة !
كنت عينه , أبي ..
وكنت نبض قلبه ، وزهرته الغالية كما كان يناديني...
فما ﺃﻥ ﺭﺁﻧﻲ ﺃﺑﻜﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﻜﻮ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﺔ الجيران سارة , التي عيرتني ب "الجبلية" - بحذف اللام ، وتضغيم حرف الجيم ، حتى وضع العود بين وسادتين كي لا يقع على الأرض ، وضمني إلى صدره الحنون ﻗﺎﺋﻼ :
- ﺃﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ !! ﻟﻘﺪ ﻭﻟﺪﺕ مثل أبيك بالقصر الكبير، أجمل وأروع مدينة في الدنيا!
ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻌﺪ الناس يوم مولدك يا زهرتي الغالية!
دعيها تقول ما تشاء !
ﺃﺟﺒﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﺳﺎﺭﺓ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻲ، ﻭﺑﺄﻧﻲ أﺭﻳﺪ ه أن يغير لي ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﻢ ،ﻭﺇﻻ لن أذهب أبدا إلى المدرسة...
ﺿﺤﻚ ﺃﺑﻲ وهو يداعب خصلات ﺷﻌﺮﻱ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ :
- فاﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !! ﻭﻟﻦ ﻧﺸﺘﺮﻱ ﻛﺒﺸﺎ ﺁﺧﺮ ﻟﺘﺴﻤﻴﺘﻚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ! لماذا لم تطلبي مني تغيير إسمك في يوم مولدك ؟
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﻠﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺎﺫﺍ ﺳﺄﺳﻤﻴﻚ ؟
كنت صامتة كالقطة في حضن أمك!! أغمضت عينيك وكأنك لم تسمعينا ونحن نختار لك الإسم الذي سيرافقك طول العمر!
ﺇﺫﻥ - ﻗﻠﺖ ﻟﻪ -- ﻟﻦ ﺃﺫﻫﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻐﻴﺮ ﻟﻲ ﺇﺳﻤﻲ. ﻭﻟﻦ ﺃﻟﻌﺐ أبدا مع صديقاتي....
نظر إلي ﻣﻠﻴﺎ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺑﺤﺰﻡ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﺗﺒﻨﻲ :
- ﺍﺳﻤﻌﻴﻨﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ، ﻻ ﻳﺠﺐ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻥ ﺗﺪﻋﻲ ﺇﺑﻨﺔ ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ ﺗﻬﺰﻣﻚ! عديها تقول ما تشاء !
ﻛﻮﻧﻲ ﻗﻮﻳﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﺳﻤﻚ الجميل! ﻳﺎﺯﻫﺮتي الغالية! أتعرفين؟ ﺈﺳﻤﻚ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ ﻳﺎﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ! ﻭﻫﻮﺃﻳﻀﺎ ﺇﺳﻢ لأجمل كوكب في الكون
" ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ " ! ﺃﺭﻳﺪﻙ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻓﻲ
ﺍﻷﻋﺎﻟﻲ .. ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ، ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺬﺑﻞ ....
ﻭ ﺃﻧﺎ ﺃﻛﻔﻜﻒ ﺩﻣﻌﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻧﻈﺮ إلﻰ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﺘﻤﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﻨﻬﻤﺎ... ﺿﻤﻨﻲ ﺃﺑﻲ إلى صدره وهو يردد إسمي :
- ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ..ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺟﻤﻴﻠﺘﻲ..
ﺑﺪﺃﺕ ﺃﺿﺤﻚ ... ﺃﺧﺬ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺒﺘﻬﺠﺎ :
والله انت ملهمتي! إنها مطلع أغنية جديدة! سألحنها ﻟﻚ ﺣﺎﻻ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !
ﺳﻤﻌﺖ ﺃﻣﻲ ﻃﺮﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ، ﻓﻨﺎﺩﺗﻨﻲ :
- ﺍﻓﺘﺤﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺓ ...
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻰ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺇﺳﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﻧﺎﺩﺗﻨﻲ ﺃﻣﻲ !
ﻓﺘﺤﺖ الباب ، كانت صديقتي سارة التي جاءت تدعوني
ﻟﻨﻠﻌﺐ معا ﻟﻌﺒﺔ " الغميضة" تحت قوس " الباب الكبير " ب" المحلا " والذي لم يكن يبعد عن بيتنا إلا بأمتار قليلة...
انطلقت أعدو وراءها ، وكأنني أرقص ﻋﻠﻰ ﻧﻐﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻓﻘﺖ ﻣﺴﻤﻌﻲ عمرا ...
بقلم : الزهرة الحميمدي .
تعليقات
إرسال تعليق